Monday, May 13, 2013

أرشيف


خانته قدماه، سقط على أرض الأرشيف المتربة، بكى ولطم خديه وهو ينظر لذلك الرف الفارغ الذي كان يضم كل دفاتره التي كتبها، كاد يجن، من أخذها؟ عصر ذاكرته حتى جفت ليتذكر من أخذ منه المفتاح، لم يأخذه أحد ولا يوجد نسخة أخرى منه.
أراحته الفكرة وأثارت جنونه، اطمئن أن احداً لم يطلع على الدفاتر، ولكن اين اختفت؟
نبش الحجرة كلها، كلها أوراق عمل، فواتير وتقارير وميزانيات، أين إذاً ما وجد في المرة الماضية؟ كيف اختفى كل شئ؟
***
طلب منه مديره أن يرتب الأرشيف ويصنف الملفات، أعطاه المفتاح الوحيد قائلاً أنه من الآن "عهدتك".
وقف في مدخل الحجرة، لعن مديره واليوم الذي التحق فيه بهذا العمل وهو يتأمل هذه المقبرة الأسمنتية، الأرض مغطاة بطبقة من الملفات والأوراق المدفونة تحت طبقةٍ سميكةٍ من التراب، والعناكب شيدت قصوراً لها في الأركان.
شمر ساعديه قائلاً " استعنا على الشقاء بالله "، تناول الملفات الراقدة على الأرض وفتحها ليعرف في أي تصنيف يضعها، ظل يعمل ويسعل حتى كادت روحه تخرج هاربةً من الحجرة.
تجمد في مكانه ووقف شعر ساعديه وعنقه عندما سمع صوت ضحكات تخرج من إحدى الخِزانات، طرد من عقله فكرة العفاريت، فهو لا يؤمن بهذه الترهات، اقترب من الخزانة متردداً، فتحها وقفز للخلف في تحفز، اصطدم بصره بشاشةٍ تربض على أحد الأرفف تعرض مقطع فيديو.
"من الأحمق الذي وضع شاشةً هنا؟"
ولكن من الذي شغلها؟ لا يوجد أي كابلات متصلة بالشاشة، من أين تستمد الطاقة والمقطع الذي تعرضه؟
بدا له المقطع مألوفاً، أمعن النظر جيداً.. يا إلهي..إنهم أصدقاؤه، وهذا المقطع مسجلٌ لهم في شقة أحدهم، ولكن من صور هذا؟ وأين هو؟ أنه يسمع صوته ويرى حركة ذراعيه ولكنه لا يرى وجهه، إنه المصوِر!! ولكن كيف صور هذا وقد كان لا يملك كاميرا حتى وقتٍ قريب.
عرضت الشاشة مقطعاً آخر، رأى يديه وهي تعبث في جسد فتاته وهي لا تكف عن التآوه والتغنج، انتفض كأنما سرت فيه كهرباء السد العالي، تراجع للخلف وهو ينظر للشاشة في ارتياع.. ما هذا الجنون؟ إنها.. إنها ذاكرته.
ارتطم في تراجعه بخزانة، سقطت الملفات من فوقها وسقطت منها بعض الصور، صوره، نبش الملفات كالمجنون، كلها صور، كلها من ذاكرته، إنهدّ جالساً على أحد الصناديق، وتابع ذكرياته المعروضة أمامه.
 "ما كل هذه الخطايا، لم أترك صغيرةً ولا كبيرةً إلا فعلتها"
كيف نسي؟ نامت ذاكرته أعواماً حتى ظن نفسه قديساً لانه واظب على الصلاة، من أيقظها؟ استيقظت ولطمته لطمةً هزت كيانه.
"لابد انها رسالة إلهية".
فرح بهذه الفكرة، أحضر دفتراً ليدون كل الخطايا، ويصنفها ليكفر عنها، كتب حتى اسودت صفحات الدفتر، أحضر دفتراً آخر فثالثاً!
صنف خطاياه إلى صغيرة وكبيرة، ثم صنف الكبائر إلى حق الله وحق الناس، وقرر البدء بحقوق الناس لان الله لا يسامح فيها ويسامح في حقه هو، خبأها داخل خِزانة حتى يفرغ لها قريباً.
شغلته الحياة ونسي كل ما حدث، حتى طلب منه مديره أن يحضر له ملفات، تذكر الدفاتر ودخل الأرشيف يبحث عنها، وجد الخزانة فارغة.
أين وكيف اختفت ولم يدخل هنا أحدٌ سواه؟
"لعنة الله عليّ، أضعتُ الفرصة"
"ماذا لو أن الله هو من أخفاها ليخبرني بأنه قد غفر لي؟"
دارت رحى الحرب بين الفكرتين، حرب طاحنة استمرت زمناً ليس قصيراً حتى انتصر احدهما.
خرج من الأرشيف يبكي فرحاً وهو يقول " قد غفر الله لي"!

أحمد عويضه