Friday, August 30, 2013

بصل أحمر

تجولت في السوق حتى اشتريت كل حاجتي ولم يبق سوى البصل الأحمر، ذهبت إلى (أم هبة) بائعة الخضروات في أول السوق اسألها عن البصل الأحمر، لم يكن عندها وكان عندها بصل أبيض وأعطتني محاضرة طويلة في أفضلية البصل الأبيض، وحلاوة طعمه ولونه في الطعام على عكس البصل الأحمر الذي يسوّد لونه عند طهيه وطعمه على حد قولها " موش ولا بد".

وعندما أصررت على البصل الأحمر وهممت بمغادرتها والذهاب لبائع آخر اتهمتني بانني ضيق الرؤية وانظر تحت قدميّ فقط، وأنني أريد البصل الأحمر لأنه أقل حرقة وبالتالي لن أذرف الكثير من الدموع عند تقطيعه – وهذا صحيح - على عكس البصل الأبيض .

وسبب إصراري هذا أنني شعرت بكذبها وانها فقط تريد أن تبيع لي البصل الذي تملكه ولا تريدني أن أذهب لبائع آخر، ربما لو ألقت على سمعي هذه المحاضرة وهي تملك النوعين، أو لو القتها قبل أن أطلب نوعاً بعينه لا تملكه لصدقتها. ولكن إلقاءها في هذا التوقيت جعلني أوقن انها لا يهمها أن تعطيني الأفضل، ولا يهمها أن يكون طعامي جيداً أو " سم هاري " ولكن كل ما تريده هو أن تبيع وتكسب، وهو حق مشروع ولكن ليس معنى ذلك أن نستخدم أساليب غير مشروعة لنيله، فمشروعية الحق من مشروعية وسائل الحصول عليه.

ولكني لا أعيب على (أم هبة) استخدامها لهذا الأسلوب الذي لابد وأنها اكتسبته من حكامنا وأشباه مثقفينا وخبرائنا الاستراتيجيين الذين كانوا على مر التاريخ يعتنقون دائما مبدأ السامري حين صنع العجل " بصرت بما لم يبصروا به ".

فهم دائما يعلمون ما لا نعلمه من المؤامرات والدسائس التي تحاك ضدنا ويفسرون الشواهد والأدلة كما لا نستطيع نحن ان نفسرها، لأنهم ينظرون لباطن الامور لا ظاهرها، وكأن الله تعالى اصطفاهم وجعلهم من أهل الباطن وكشف لهم ما لا يُكشف لنا نحن العامة، ولهذا فهم دوماً على حقٍ في كل ما يفعلون، ولهذا يجب علينا ان ننصاع لهم ونترك - مسرورين - نواصينا بأيديهم ليقودونا كيف شاؤوا ونحن نوقن انهم يقودونا للطريق القويم.

ونحن انصعنا لهم وتركنا نواصينا بأيديهم، ليس لثقتنا برجاحة عقولهم وقدرتهم على قيادتنا ولكن لنريح عقولنا ونلقي بالمسؤولية على أعناقهم ولا نحاسبهم ولا نشغل بالنا بما يصنعون حتى نصاب بكارثة تهز كل معتقداتنا وثقتنا فيهم للحظات وما نلبث أن نغمض أعيننا مرة أخرى ونتركهم يقودونا !

 وإن جاءنا فاسقٌ يريد أن نفتح أعين عقولنا وننظر إلى الطريق الذي نسير فيه، هاجمناها متهمين إياه بأنه من عناصر المؤامرة التي تحاك ضدنا وأنه مدسوسٌ علينا من أعدائنا ليدمرنا، أو بأنه من العامة الذين لا يفهمون كما يفهم حكامنا، ونضع أصابعنا في آذاننا كي لا يتسرب بعض كلامه إلى عقولنا ويجعلنا نفكر.

الدول لا تبنى إلا على الشفافية والمصداقية والقانون والعدل، وأي بناء يتم على غير هذه الأسس فهو بناء واه، سيبهر الناظرين عدة سنوات ثم ينهار على رؤوس قاطنيه فجاة، وعندها لن يقول قاطنيه أن الأسس كانت واهية، بل سيقولون أن عدواً لنا هو من دمر أساساتنا لأنه شعر باننا نبني المجد والتاريخ، ولنا في تاريخنا وتاريخ العالم كله عبرة لم يعتبر.

سأترككم الآن، فيبدو أن الطعام الذي أعده أوشك على الاحتراق ولن أعرف الفارق بين البصل الاحمر والأبيض.


أحمد عويضه